لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وانظر إلى هذا المعنى العجيب الذي نفاه الله عز وجل بعد أن ذكر الحياة والقيومية ، فقد يتوهم المتوهم من ذكر حياته جل وعلا أن حياته كحياة المخلوقين ، يرد عليها ما يرد على المخلوقين من حاجة إلى الراحة ، وغياب عن هذا العالم المشاهد بالنوم أو ما دونه من مقدماته وهي السِنة ، فنفى الله عز وجل هذا الوهم فقال : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ..
وحينما ينفي السِنة والنوم لا يكون ذلك نفيا لهذه المعاني الناقصة فحسب ، بل إن النفي في كتاب الله عز جل إذا نفى الله عز وجل عن نفسه أو عن كتابه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا فإن ذلك يتضمن ثبوت كمال ضده ، فإذا قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فهذا يتضمن ثبوت كمال حياته سبحانه وتعالى .
أما نحن الضعفاء الفقراء المساكين فحسبنا النفي ، فيقال : فلان ليس ضعيفا ، فلان ليس عالما ، فلان ليس جاهلا ، فيكون مبلغ ذلك الكلام هو نفي هذه الصفة فحسب ولا يتضمن ذلك ثبوت كمال الضد .
أما إذا نفى الله عن نفسه شيئا من النقائص أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو عن كتابه فإن هذا يتضمن ثبوت كمال ضده ، فيكون ذلك إثباتا لكمال حياته وقيوميته .
( لا تأخذه سنة ولا نوم ) .. وما معنى السنة ؟ .. السنة هي : مقدمة النوم وخثورته والضعف الطبيعي الذي يعتري الإنسان قبل أن ينام . هذه هي السنة .
وبعض العلماء يقولون هي والنعاس بمعنى واحد .
وبعضهم يفرقون بينهما فيقولون :
- السنة في الرأس .
- والنعاس في العين .
- والنوم في القلب .
وهنا ذكر الله السنة ولم يذكر النعاس ، فتكون السِنة والنعاس بمعنى – أي واحد – والله أعلم .
فنفى الله عز وجل عن نفسه مقدمة النوم وهي السنة أو النعاس ، ونفى النوم وهو غياب الإنسان هذا الغياب الطبيعي عن العالم المشاهد بحيث أن حواس الإنسان وقلبه وعقله يفتر ، فلا يحس بما حوله ، لا يشعر بشيء مما حوله .
قد يقول قائل : نفى الله عز وجل السنة ونفى النوم ، أما كان يكفي أن ينفي السنة فيكون نفي النوم من باب أولى ؟ ، أو ينفي النوم فيكون ذلك أيضا نفيا أيضا لمقدماته ؟ ، فما الجواب ؟ .
الجواب /
يقال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أن السنة قد ترد من غير النوم ، فيدافع الإنسان النوم ، فيحصل له نعاس ولكن لا يحصل النوم ، قد توجد السنة منفردة عن النوم ، وقد يوجد النوم من غير سنة .. أليس كذلك ؟ .. فنفى الله عز وجل الأمرين .
ولاحظ هذا النفي أنه أدخل بينهما لا النافية مرة أخرى ، قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) وكان يكفي أن يقال لا تأخذه سنة ونوم ، ولكن مبالغة في التوكيد وأن كل واحد منهما منفيا على سبيل الاستقلال ، قال ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) أي ولا يأخذه نوم .
__________________
قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".
وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) .
" إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى ".
ثم قال : ( له ما في السماوات وما في الأرض ) .. هذا الإله العظيم الذي له جميع أوصاف الكمال ، وله القيومية الكاملة ، والحياة الكاملة ، ولا يعتريه غفلة ولا نقص بوجه من الوجوه .
( له ما في السماوات وما في الأرض ) بعد أن قرّر أنه تبارك وتعالى لا تعتريه الآفات ، ولا تغيره الليالي والأيام كما تُغير البشر ، فهو الكامل الكمال المطلق ، الذي لا يرد عليه نقص بوجه من الوجوه " لا تأخذه سنة ولانوم "، قال ( له ما في السماوات وما في الأرض ) ..
( له ) : اللام هنا للمُلك .
العلماء يذكرون ثلاث ( لامات ) ، ما هي ؟ ..
- لام الاستحقاق .
- ولام الاختصاص .
- ولام الملك .
نحن نأتي بفوائد علمية ، وأحيانا لغوية ،وأحيانا تربوية ، ليكون هذا الدرس فيه أشياء متنوعة من الفوائد ، تقرأون في بعض الكتب فتدركون بعض المعاني ، وتتصورون بعض القضايا التربوية من كلام الله عز وجل –
ما الفرق بين اللامات الثلاث ؟ ..
الآن اللام : حينما نقول ( الكأس لزيد ) .. الآن الكأس ذات .. ذات أم معنى ؟ .. ذات .
- أضفناه إلى ذات ، فإضافة "ذات" إلى "ذات من شأنها أن تملك" - الذات المضاف إليها - ، تكون : اللام للملك . ( الكأس لزيد ، السيارة لمحمد ، البيت لصالح , القلم لسعيد ) .
- إذا أضفنا "ذات" إلى "ذات ليس من شأنها أن تملك" : صارت اللام للاختصاص ( المفتاح للسيارة ) المفتاح ذات والسيارة ذات ، ولكن السيارة ليس من شأنها أن تملك ( الباب للمنزل ، السلك للمكبر ، الورق للمسجد ) .. فهذه اللام : لام الاختصاص .
- باقي اللام الثالثة وهي لام الاستحقاق .. أن نضيف "معنى" إلى "ذات" مثل ( الحمد لله ) الحمد معنى أم ذات ؟ .. معنى .. ( لله ) اللام للاستحقاق .
تقول ( الشكر لله ) الشكر معنى ، فاللام للاستحقاق .. وهكذا .
فهنا يقول ( له ما في السماوات ) اللام ما نوعها ؟ .. لام الملك .. ( له ما في السماوات ) أي ملكا . و ( ما ) صيغة عموم تدل على العموم ، أي جميع ما في السماوات السبع كله ملك لله عز وجل لا يشاركه فيه أحد .
( له ما في السماوات وما في الأرض ) أي كل ما في الأرض هو ملك لله عز وجل .
ولا حظ أن السماوات مجموعة ، والأرض مفردة ، ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ) فلماذا تذكر السماوات مجموعة والأرض مفردة ، إذا ذكرت السماء والأرض ؟ ما الجواب ؟.
الجواب /
يمكن أن يقال - والله أعلم - : الأرض اسم جنس ، يدل على الواحد والجمع فيشمل ذلك الأرضين السبع .
( له ما في السماوات وما في الأرض ) أي ملكا ، وهذا يدل على سعة ملك الله عز وجل ، وإذا علم العبد أن الله عز وجل له ما في السماوات وما في الأرض فهل يطلب الغنى من غير الله تبارك وتعالى ؟ .
كل ما في السماوات وما في الأرض ملك لله عز وجل ، فإذا افتقرت واحتجت ، إلى أين تلجأ ؟ .. إلى الله وحده لا شريك له ، فهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، والمخلوق الضعيف لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ، وما ذلك على الله بعزيز ) فنحن وما نملك كلنا ملك لله عز وجل .
__________________
قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".
وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) .
" إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى ".